كان أبوا لصَّبَّاح ا لكناني من أكابر وفقهاء وأصحاب الإمام الباقـر( ع )، جاء يوماً إلى باب الإمام
( ع )، فـطرق الباب فخرجت إليه جارية ناهدة فضرب أبوا لصَّبَّاح بيده عـلى رأس ثديها وقال
لها : قولي لمولاك إني بالباب.
فصاح الإمام الباقـر( ع ) مِن آخرا لدار: أدخل لا أُمَّ لك.
قال أبوا لصَّبَّاح : فـدخلت وقـلت ولله ما أردتُ رَيْبَةً- لم أقصد الشهوة- ولا قصدت إلاَّ زيادةً في يقيني ( هل أنَّ الإمام يعـلم ما وراء الجدران أم لا )؟.
فقال الإمام ( ع ) : صدقت لئن ظننتم أنَّ الجدران تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذاً لا فرق بيننا وبينكم . فإيَّاك أن تعـود لمثلها .
{المعـصوم الثامن الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق عـليه السلام}
(( عـلم ا لكتاب كله عـندنا ))
قال سدير الصيرفي- وهو من أصحاب الإمام الصادق ( ع ) : كنت أنا وأبو بصير، ويحيى
ا لبزَّا ر، وداود بن كثير، في مجلس أبي عـبد الله ( ع ) إذ خرج إلينا وهو مغـضب، فـلما أخذ مجلسه، قال ( ع ) : يا عـجباً لأقوام يزعـمون أناَّ نعـلم الغـيب، ما يعـلم الغـيب إلاَّ الله عـزَّ وجلَّ. فمن أين لي العـلم بالمغـيبات ؟. لقد هممت بضرب جاريتي فلانه. فهربت مني، فما عـلمتُ في أي بيوت الدار هي؟
قال سدير: فـلما قام من مجلسه وصار في منزله، دخلت أنا، وابو بصير، و ميسر وقـلنا له: جُعـِلنا فداك، سمعـناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك، ونحن نعـلم أنك تعـلم عـلماً كثيراً، ولا ننسبك إلى عـلم الغـيب.
فقال ( ع ) : يا سدير ألم تقـرأ القـرآن قـلت: بلى.
فقال ( ع ) : فهل وجدت فيما قـرأت من كتاب الله عـز وجل:
{ قال الذي عـنده عـلم من الكتاب أنا آتيك به قبل ان يرتد إليك طرفكْ}
قلت : جُعِـلتُ فداك، قد قـرأته.
قال ( ع ) : فهل عـرفت الرجل- آ صف بن برخيا وزير النبي سليمان ( ع )-؟
وهل عـلمت ما كان عـنده من عـلم الكتاب؟
قلت : أخبرني به.
قال ( ع ) : قد قـطرة من الماء في البحر الأخضر، فما يكون ذلك من عـلم الكتاب؟
قلت : جُعِلتُ فداك، ما أقـلَّ هذا؟
فقال ( ع ) : ما أكثر هذا أن ينسبه الله عـز وجل إلى العـلم الذي أخبرك به. يا سد ير، فهل وجدتَ فيما قـرأتَ من كتاب الله عـز وجل أيضاً:
{قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عـنده عـلم الكتاب}
قلت : قد قـرأته، جُعـِلتُ فداك.
قال ( ع ) : أفمن عـنده عـلم الكتاب كله أفـْهَمْ، أم من عـنده عـلم الكتاب بعـضه؟
قلت : لا، بل من عـنده عـلم الكتاب كله.
فأوماَ ( ع ) بيده إلى صدره، وقال: عـلم الكتاب والله كله عـندنا، عـلم الكتاب والله كله عـندنا.
(( أقول: لعـلَّ ثمَّة أحد من المخالفين حاضر في المجلس الأول الذي خرج عـليهم الإمام أبو عـبد الله الصادق ( ع ) بحالة الغـضب فاتقى منهم تقية، أما في المجلس الثاني ، الذي خلا فيه الإمام مع ا صحابه المخلصين، فأخبرهم بالحقيقة بأن الله عـز وجل قد وهب الأئمة ( ع ) عـلم الغـيب كما وهب آ صف بن برخيا من قبل في حين أن عـلم آ صف إلى عـلمهم قد قطرة من البحر.